terça-feira, 31 de janeiro de 2012

ليه أنا مؤيد لإسرائيل؟


أكبر صدمة حضارية أصابنى بها الإسرائيلين كانت حينما شاهدت لأول مرة فيديو زيارة السادات للكنيست الإسرائيلي عام 1977 ... المشهد الذى علق فى ذهنى و لم أستطع نسيانة ، لم يكن مشهد السادات أو أحد مرافقيه ، و لم يكن أحد السياسيين الإسرائيليين المشاهير و المحترمين ... المشهد الذى أثر فىّ هو حجم الجموع التى تزاحمت حول الكنيست لترحب بالرئيس المصرى ... كنت أعلم أن هناك أنصار للسلام فى إسرائيل، لكنى لم أكن أتوقع أن أرى ألوف البشر، جميعهم يرتدون الملابس البيضاء والوردية، و يحملون الزهور، و يقفون فى الشوارع بالساعات ليحيوا رئيس الدولة التى حاربتهم قبلها ببضعة سنوات ... حميمية الاستقبال المذهلة، و منظر ضباط الشرطة الإسرائيلية و هم يقومون بدورهم فى تنظيم الحشود المرحبة بالرئيس العدو- الصديق ، كانت من بين المشاهد التى غيرت حياتى ... يومها سألت نفسى: هل إذا جاء إلينا فى مصر مسئول إسرائيلى يدعم السلام ، هل سيجد نصف هذا الترحيب من المصريين ؟

لا أنكر أنى أشعر كثيرا بالذنب تجاة قراءى المصريين ، الذين صدمتهم حين قلت أنى برو-إسرائيلى ( مؤيد لإسرائيل) ، وأصدمهم باستمرار بمواقفى الداعمة للسياسات الإسرائيلية باستمرار ... أشعر بالذنب لأنى لم أشرح لهم أسباب مواقفى هذه، و لم أطلعهم على ما أعرفه عن جيراننا الإسرائيليين، ثم أطلب منهم أن يتفهموا موقفى و يتقبلونى بكل تسامح ... موقف صعب، أعذرهم عليه.
نفس الشعور بالذنب أشعر به تجاه الكثير من قراءى الإسرائيليين، الذين ألاحظ الدهشة وعدم التصديق فى تعليقاتهم ... فمنهم من يظننى مجنونا غير واعى بأبعاد ما أقول، ومنهم من يظننى فخ مخابراتى لخداع الشعب الإسرائيلى فى أطار الشعور بالمؤامرة الكبرى على الشعب اليهودى ... هم أيضا معذورون، لأنهم أيضا لا يعرفون دوافعى و أسبابى التى بنيت عليها مواقفى السياسية.
هذا المقال هو محاولة منى ، لشرح الأسباب المنطقية التى جعلتنى مؤيدا لإسرائيل. الأسباب التى تجعلنى حريصا على دعم استمرار دولة إسرائيل فى الوجود، والأسباب التى تجعلنى مؤيدا لعلاقات كاملة وحقيقية بين الشعب الإسرائيلى و سائر شعوب المنطقة.
فى الحقيقة، دعمى لإسرائيل ليس هو دعما لإسرائيل ذاتها، بقدر ما هو دعما للقيم التى تمثلها دوله إسرائيل فى المنطقة ... فالقضية ليست أن هذا يهودى وذاك مسلم، و ليست أن ذاك عربى و هذا عبرى ... القضية فى نظرى أن هذا ديموقراطى و ذاك أستبدادى، وهذا ليبرالى و ذاك شمولى ... و بالتالى فانحيازى لإسرائيل هو انحياز لقيم الديموقراطية و الحداثة التى تمثلها إسرائيل - شئنا أم أبينا - فى المنطقة.

و سأحاول هنا أن أسرد بنوع من التفصيل ، بعض النقاط التى ستوضح وجهه النظر التى أطرحها:

1- السياسة - إسرائيل هى أكبر و أقدم الديموقراطيات فى المنطقة.
النظام السياسى فى إسرائيل هو النظام البرلمانى ... نظمت أول انتخابات شعبية فى 25 يناير 1949 ، ليبدأ الكنيست الأول، و الكنيست الحالى هو الكنيست الثامن عشر فى تاريخ إسرائيل ... طوال هذه الفترة ترأس دولة إسرائيل 9 رؤساء، بداية من الرئيس شيم ويزمان (1949) حتى الرئيس الحالى شيمون بيريز (2007) ... و كل كنيست جديد كان يأتى بحكومة جديدة فى إسرائيل، أى تقريبا 18 حكومة إسرائيل ية فى 60 عام ( تقريبا حكومة جديدة كل ثلاث سنوات و ثلث ) ... و فى كل مرة تمر الانتخابات الإسرائيلية بسلاسة، بلا انقلابات مسلحة، بلا ادعاءات بتزوير الانتخابات، بلا نتائج انتخابية من نوعية ال 100% و ال 99.9%
فى ال 60 عام الأخيرة ، بينما حكم إسرائيل 18 حكومة مختلفة، حكم مصر 6 رؤساء (الملك فاروق ، الملك أحمد فؤاد ، محمد نجيب، عبد الناصر، السادات، مبارك) ... الثلاثة الأوائل تركوا السلطة نتيجة انقلابات أو حركات عسكرية ، و الرابع (عبد الناصر) ظل على عرشة حتى الموت، و لو لم يكن مات لكان سيظل حاكم مصر إلى يومنا هذا، هذا بغض النظر عن إشاعة موته مسموما ... والخامس السادات خرج من السلطة مقتولا ... و السادس باقى فى منصبة منذ 30 عام، ولا نعرف وسيلة لإخراجه من السلطة ... ففى الوقت الذى تبادل فية حكم إسرائيل 18 حكومة ديموقراطية، حكمنا 6 أشخاص، لم يصل أيا منهم للسلطة من خلال انتخابات ، ثلاثة منهم تركوا الحكم مجبرين بقوة انقلاب، و اثنين خرجوا من مناصبهم بالموت، والسادس نبحث عن وسيلة لإخراجه من السلطة لمدة 30 سنة بدون فائدة ... أعتقد أن المقارنة واضحة
يمكن لأى منا أن يفتح أى خريطة للشرق الأوسط، ولن يبذل مجهود ليكتشف أن إسرائيل هى أعظم ديموقراطية فى المنطقة ... الشرق الأوسط لم يعرف نظام ديموقراطى سوى إسرائيل حتى الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 ... فتركيا وإيران لديهم ديموقراطيات مشوهه، فإيران تمنع العلمانيين من الترشح فى الانتخابات، و تركيا تمنع التيارات الدينية من الترشح فى الانتخابات، فما فائدة الانتخابات إذا كان المشرع قد سبق واختار للشعب أيديولوجية حكامه ؟ ... بعد إيران وتركيا، لا يتبقى فى المنطقة من أنظمة ديموقراطية غير لبنان و العراق، والاثنان ديموقراطيتان حديثتان، العراق بعد الغزو الأمريكى فى 2003، و لبنان بعد ثورة الأرز فى 2005، و كلاهما ديموقراطيات مشوهه بسبب التقسيمات الطائفية التى تسيطر على العملية الانتخابية ... وباقى دول المنطقة هى إما ممالك بدوية (مثل المملكة العربية السعودية و قطر)، أو شموليات عسكرية (مثل سوريا و مصر و السودان و ليبيا) ... كل هذا يجعلك لا تجد فى المنطقة كلها نظام ديموقراطى حقيقى سوى إسرائيل.
بل الأبلغ من كل هذا ... ديفيد بن جوريون ، الذى يعتبره الكثيرين مؤسس دولة إسرائيل ... هو من أعلن إعلان استقلال دولة إسرائيل، وشغل منصب الرئيس المؤقت لدولة إسرائيل لمدة يومين فقط، ليسلم رئاسة الدولة لرئيس الدولة الأول شيم ويزمان ... ديفيد بن جوريون لم يتحنط على كرسيه كما يفعل الرؤساء المسلمون والعرب (القذافى فى السلطة منذ 41 عام، ويسعى لتوريث الحكم لأبنه)، بالعكس ديفيد بن جوريون تنازل عن السلطة أكثر من مرة ... فعلى الرغم من كونه رئيسا للحكومة الإسرائيلية فى الفترة ما بين عامى 1948 و 1954، إلا انه خرج من السلطة فى عهد الكنيست الثانى ليخلفه موشى شاريت فى الفترة ما بين 1954 و 1955، ثم عاد بن جوريون ليرأس الحكومة الإسرائيلية بعدها ... و طوال حياة بن جوريون، كان يشغل مناصب كثيرة، و يتركها بعدها بفترات قصيرة فى تبادل سلمى وسلس للسلطة ... فمن منكم رأى رئيسا عربيا يتنازل عن منصبة لهذا الشكل السلس؟ فما بالكم وأننا نتحدث عن شخص يكاد يكون هو مؤسس الدولة ذاتها ... إذا كان عبد الناصر، لمجرد أن استطاع السيطرة على ضباط انقلاب 52، نسب لنفسه نجاحات أكبر من حجمه بمراحل، وبقى فى منصبه 16 عام ... وحسنى مبارك، الذى نسب لنفسه نصر أكتوبر كله، بقى بحجة هذا النصر ثلاثون عاما فى رئاسة الجمهورية ... فما بالكم بمؤسس دولة يترك رئاستها بعد يومين، ويترك رئاسة الحكومة بعد 6 سنوات؟ ... ألا تستحق ديموقراطية مثل هذه ان نعطيها احترامها اللائق ؟

2- العمل و الانتاج - الإسرائيليين بنوا دولة كاملة من الأبرة للمفاعل النووى فى أقل من 50 عام
إسرائيل بشكلها الحالى، هي دولة حديثة الوجود فى المنطقة ... إسرائيل القديمة التى انتهت فى القرن الأول الميلادى، لا تعنينى فى مقالى هذا ... إسرائيل الحالية بدأ الشعب اليهودى فى وضع أساساتها منذ ما لا يزيد عن قرن من الزمان ... بنوا المزارع و المدن والمصانع، و كل هذا ليس دولة... أول ظهور لدولة إسرائيل كان بعد انتهاء الانتداب البريطانى عن هذه المنطقة، ولهذا فان عمر دولة إسرائيل يبدأ تقريبا منذ عام 1948 بغض النظر عن ان بدايات هذه الدولة تم وضع أساساتها قبل ذلك بعقود.
استطاعت إسرائيل، واستطاع الشعب اليهودى، فى أقل من 50 عام، بناء دولة قوية متكاملة تغطى كافة نواحى الحياة ... فقد أقام الشعب اليهودى دولة مؤسسات كاملة، بها فصل كامل بين السلطات، بها نظام سياسى برلمانى من أفضل النظم السياسية فى العالم، و برلمان يقوم بدور رقابى وتشريعى متميز، وقضاء نزيه ومحايد حاكم أكبر السياسيين فى إسرائيل بنزاهة لم يشكك فيها أحد ... وما نقوله عن السياسة نقوله عن الزراعة و الصناعة و السياحة و التكنولوجيا.
هنا أن أقدر قيمة الإبداع مع الزمن، فنحن المصريين الذين نتفاخر اننا أبناء حضارة عمرها أكثر من 5 آلاف عام، إلا أننا لم نستطع بناء مفاعل نووى واحد (إسرائيل لديها تقريبا 4 مفاعلات نووية) ، وحينما فكرنا فى إنشاء مفاعل نووى سلمى، بدأنا البحث عن شركات فرنسية وبريطانية لتتولى عمليه إنشاؤه، وحتى يومنا هذا لازالت البيروقراطية المصرية تعطل قيام المفاعل النووى المصرى الأول ... نفس الشئ يقال عن الأقمار الصناعية، ففى الوقت الذى تقوم فيه إسرائيل بتصدير الأقمار الصناعية الخاصة بالتجسس للهند، لم تستطع مصر تصنيع أقمارها الصناعية بنفسها واشترتها من شركات فرنسية ... و فى الوقت الذى تقوم فيه إسرائيل ببيع الأسلحة لروسيا (وريثة الاتحاد السوفيتى)، تقوم المصانع الحربية فى مصر بصناعة البوتاجازات والسخانات التى لا ترضى حتى المستهلك المصرى ... و العاملون فى مجال الصناعة يعلمون جيدا كيف أن هناك صناعات بأكملها لا توجد فى الشرق الأوسط كله ، إلا فى إسرائيل
كمصريين يجب أن نعترف بالفجوة التكنولوجية التى تفصلنا عن إسرائيل ... يجب أن نعترف أن هناك شعب (وإن اختلفنا معه، إلا أن هذا الشعب يقدس العمل والإنتاج والإبداع ، شعب لا يسمح للبيروقراطية و الفساد بتعطيل مسيرة تقدمة ... شعب تجاوز صعوبات مستحيلة مثل القلة السكانية و حالات الحروب المتواصلة و العزلة بين جيرانه و التضارب العرقى والثقافى، و صنع حضارة ودولة متكاملة . بينما معظم دول المنطقة تعيش فى سلام متواصل و مع ذلك تغرق فى الكساد، و تعيش على استيراد غذائها وملابسها و احتياجاتها الأساسية، و يحكمها مجموعة من اللصوص بينما أغلب شعوبها مشغولة بالقات و الحشيش و الدين.

3- الثقافة - أفضل جامعات فى المنطقة
إسرائيل لديها 8 جامعات ... أقدمهم الجامعة العبرية فى أورشليم (القدس) التى تأسست عام 1918، أى بعد جامعة القاهرة ب 10 سنوات ... فإذا استثنينا الجامعة المفتوحة فى إسرائيل، و التى تأتى متأخرة فى الترتيب العالمى، فإن باقى ال 7 جامعات تأتى بين أفضل 500 جامعة على مستوى العالم (أحيانا تتأخر جامعات بار أيلان وحيفا بضع أرقام بعد ال 500 فى بعض التصنيفات) ... بينما تشغل الجامعة العبرية فى أورشليم ترتيب ال 77 على مستوى العالم، بما يجعلها أفضل جامعة فى الشرق الأوسط
إلى وقت قريب لم تكن هناك جامعة عربية واحدة بين أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، و إلى يومنا هذا لا توجد جامعة مصرية أو عربية فى قائمة أفضل 200 جامعة على مستوى العالم، بعد أن استطاعت بعض الدول العربية دخول قائمة أفضل 500 ... الطريف فى الأمر، أن الجامعات المصرية بدأت تبحث عن تصنيفات أقل شهرة عالميا، او تصنع بأنفسها ترتيب للجامعات على مستوى العالم، لتستطيع أن تضع نفسها فى قائمة أفضل 200 أو أفضل 500 ... و قد كان بالأولى للجامعات العربية، أن تبحث فى أسباب فسادها وانهيارها، و تقوم بإصلاح و تطوير نفسها، بدلا من اختلاق تلك التقييمات المزيفة.
لن نتعجب أيضا حين نعرف أن إسرائيل هي أكثر دولة فى العالم تنفق على البحث العلمى (بالنسبة للدخل القومى) ... فإسرائيل تنفق حوالى 4.7% من إنتاجها الوطنى GDP على البحث العلمى، وهو رقم ضخم جدا إذا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق فقط 2.6% من إنتاجها المحلى على البحث العلمى .... ماذا تنفق الدول العربية على البحث العلمى ؟ ... إجمالى ما تنفقة إسرائيل سنويا على البحث العلمى، يفوق ما تنفقة جميع الدول 22 الأعضاء فى جامعة الدول العربية على البحث العلمى.

منذ اعوام تم نشر إحصائية تقارن بين معدلات الثقافة و القراءة بين دول العالم ... المواطن الإسرائيلى يقرأ فى المتوسط 40 كتاب سنويا ، بينما كل 8 مواطنين مصريين يقرأون كتاب واحد سنويا ... معنى هذه المعلومة أن ما يقرأه إسرائيلى واحد فى 10 أعوام، يحتاج المواطن المصرى ل 3200 عام لكى يقرأ نفس الكمية .... فارق كبير حينما تقارن بين دولة العلم و التكنولوجيا (إسرائيل) ، وبين الجهل المستشري فى الدول الناطقة بالعربية.

4- حقوق الإنسان - أعظم مساحة حريات فى المنطقة
لى صديقة إسرائيلية من أصول عربية ... فوجئت بأنها رجعت من مدرستها مبكرا فى أحد الأيام، فظننتها مريضة ... سألت عليها لكى أطمئن على صحتها، فأخبرتنى أنهم (فى إسرائيل) فى شهر رمضان يسمحون لطلبة المدارس العربية بالرجوع مبكرا (مراعاة لصوم رمضان ) ... الصدمة الحقيقية أننى لا أنسى كيف ظللت طول حياتى فى مصر يتم إجبارى على أن أجتاز إمتحاناتى أيام أعيادى الدينية (فترة اعتناقى بالمسيحية) ... فالمسيحيون المصريين الذين يعيشون فى مصر منذ بداية التاريخ (بغض النظر عن تاريخ تحولهم للمسيحية) لا زالوا حتى اليوم هدفا لتعنت المسئولين الحكوميين الذين يتعمدون إجبار الطلاب المسيحيين على إجراء امتحاناتهم فى أيام الأعياد، أو اليوم الذى يلى العيد .... هذا هو الفارق بين أوضاع الأقليات الدينية فى مصر و إسرائيل.
إسرائيل - على عكس ما يظن العرب - لديها مستوى عالى من حقوق الإنسان لا يوجد فى أى دولة عربية ... فإسرائيل مثلا لا توجد لديها عقوبة الإعدام، ولا أى عقوبة بدنية أخرى ... فى الشرق الأوسط كله لا يوجد إلا تركيا لا تطبق حكم الإعدام، و بعض الدول توقفت عمليا عن ممارسته دون تقنين ذلك (المغرب – تونس – الجزائر) ، فى الوقت الذى لا تزال فيه الكثير من الدول الاسلامية (مثل إيران والسودان والسعودية) تطبيق العقوبات البدنية مثل الجلد و قطع الأيدى والرجم ... ما يقال عن الإعدام و العقوبات البدنية، يمكن قوله عن حقوق الطفل والمرأة، و حرية الرأي و العبير ... إسرائيل لا يوجد لديها خانة ديانة فى البطاقة الشخصية ... إسرائيل هي الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى يستطيع فيها المثليين تنظيم أنفسهم فى تنظيمات حقوقية ... إسرائيل هي الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى يستطيع فيها الملحدين تكوين تجمعات إلحادية قانونية، ونشر أفكارهم الإلحادية بكل حرية ... إسرائيل هي الدولة الوحيدة التى يمكنك أن تكون مواطنا فيها، ومع ذلك لا تعترف بحقها فى الوجود، و فى نفس الوقت لا يتم سحب الجنسية منك أو سجنك أو حتى رفع إعانة البطاله عنك ... إسرائيل هي الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى يستطيع فيها الإعلام نشر فضائح للجيش (تذكروا فيلم روح شاكيد)، وهي الدولة الوحيدة التى يمكن أن يقوم تليفزيون الدولة الرسمى بنقد دين الأغلبية بكل بساطة و دون أن تعلق المقاصل لأحد.

إسرائيل وقفت بجانب كل ضعيف و مظلوم فى المنطقة ... دول أفريقية لا نعرف عنها شيئا، وإسرائيل ترسل لهم معونات باستمرار ... أهالى دارفور المسلمون، الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والاغتصاب و التهجير على يد إخوتهم المسلمين من نظام البشير الإسلامى ... أهالى دارفور هؤلاء هم الذين يهربون من خلال الأراضى المصرية ليدخلوا إسرائيل لينالوا حق اللجوء السياسى، و يعيشون كبشر أحرار ... ماذا فعل العرب والمسلمون للأكراد أو لأهل دارفور؟ ... كم مظاهرة خرجت فى مصر تضامنا مع أهل دارفور؟ كم مظاهرة خرجت فى مصر تضامنا مع الأكراد ضد المجرم صدام حسين الذى قتل ألوف الأكراد بدون ذنب؟ ... نحن المصريين لم نكتفى بالصمت، ولكننا قتلنا السودانيين وسحلناهم وعذبناهم فى وسط شوارع الجيزة أمام أعين الجميع بلا رحمة ... كل هذا وأهل دارفور مسلمون، والإسرائيليين يهود، ولكن الدولة الإسرائيلية تتجاوز حدود العرق و الدين لتقف بجانب المضطهدون، بينما العرب لا مانع لديهم من الصمت على ظلم إخوتهم بدون حتى مبرر منطقى لهذا الصمت، بالضبط كما فعلوا حينما صمتوا حينما قام صدام باحتلال الكويت، ثم ثاروا وهاجوا وماجوا حينما شاركت مصر فى تحرير الكويت من الاحتلال الصدامى ... ألا يتساءل المصريين حول مشاعر إخوتهم الكويتيين حينما يرون هذه الأفعال؟
منذ اشتعل ملف دول حوض النيل فى الشهور الأخيرة، وبدأت أجهزة الدولة المصرية فى الترويج لسيناريو المؤامرة الإسرائيلية فى دول حوض النيل .... بالنسبة لى، لا أرى أى مؤامرة على الإطلاق ... فالمصريين لم يسألوا أنفسهم ماذا يعرفون عن أثيوبيا و ماذا قدموا لها ؟ ... ماذا يعرف المصريين عن الفقر و الأمراض والفياضانات وباقى الأمور التى تعانى منها أثيوبيا ؟ لماذا لم يتعاطف المصريين مع أخوتهم الأفارقة الأثيوبيين فى مشاكلهم ؟ ... إسرائيل تعاطفت مع أثيوبيا منذ سنوات طويلة ، و تقدم لها الكثير من المساعدات لتحاول مساعدة الشعب الأثيوبى فى التخلص من مشاكلة ... فمن الطبيعى أن تكون هناك علاقات إسرائيلية أثيوبية قوية ... وفى نفس الوقت من الطبيعى ألا يكون هناك ود متبادل بين المصريين و الأثيوبيين فى ظل الاستعلاء العنصرى الذى يتعامل به المصريين مع السود (اسألوا النوبيين إن كنتم لا تعلمون)، و فى ظل تجاهل انشغال المصريين بتمويل الحركات الإرهابية فى أفغانستان وفلسطين واليمن ... فإذا كانت غزة أكثر أهمية بالنسبة للمصريين من أثيوبيا، فلماذا يتضايق المصريين حينما يفقدون علاقتهم بأثيوبيا التى تجاهلوها إنسانيا لعقود طويلة ؟

5- السياسة الخارجية الإسرائيلية مبنية على المصلحة مش على العنصرية
الأصل فى الأمور، أن السياسى هو شخص اختاره الشعب لتحقيق مصالحهم، وليس لتحقيق وجهات نظرة الأيديولوجية الخاصة ... هذا بالطبع لا ينطبق على السياسيين العرب الذين وصلوا للحكم بالدبابات، ولكنه بالطبع ينطبق على إسرائيل فحزب الليكود مثلا، والذى يتهمه العرب باستمرار بأنة حزب يمينى متطرف، هو ذات الحزب الذى قام بتحدى أيديولوجيته فى فتره قصيرة جدا، ووقع اتفاقية السلام مع مصر، و قام بإرجاع سيناء بأكملها بدون مقابل تقريبا (باعتبار حق إسرائيل فى الملاحة فى المضايق الدولية حق وليس منحة )... لا يسأل المصريون أنفسهم : كيف يكون حزب متطرف ويقوم بعقد اتفاقية سلام (رغم أنه يسيطر على كل سيناء تقريبا ) و يترك سيناء للمصريين بدون حرب ؟ ... الفكرة أن الساسة يهمهم مصلحة إسرائيل، أكثر من الأيديولوجيات النظرية .... و مصلحة إسرائيل أن تعيش بسلام وسط جيرانها ... لو بدلنا المواقف وقتها ، وكانت مصر فى مكان إسرائيل، لم تكن مصر ستتنازل عن شبر واحد من سيناء بالسلام، بالضبط كما تفعل في تمسكها بالأراضي السودانية التي تحتلها حاليا (حلايب و شلاتين).
نفس الشئ يمكن قوله عن المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين ... فالعرب ظلوا لعقود يرددون كلاما أبلها عن الأمبراطورية التى من النيل للفرات، ولكن إسرائيل هدمت كل هذه الأطروحات العربية فى لحظة واحدة على مائدة المفاوضات، حينما أمرت بتفكيك مستوطناتها فى غزة ... يومها وقف الجيش الإسرائيلى بنفسه يباشر إجلاء المستوطنين الإسرائيليين من منازلهم التى بنوها فى غزة ، ليتركوها للفلسطينيين ... فإذا كانت إسرائيل ترغب فى التوسع فى المنطقة (الأيديولوجيا) ، فلماذا فككت مستوطناتها فى غزة أو انسحبت من سيناء (المصلحة) ؟ ... هذا لأن السياسة الخارجية الإسرائيلية تغلب المصلحة على الأيديولوجيا.
العكس موجود عند السياسيين العرب... فالسياسيين السوريين يعلمون جيدا أنهم بإمكانهم أجراء اتفاق سلام بسهولة مع إسرائيل، ولكنهم لازالوا غير قادرين على تغليب مصلحة شعوبهم على أيديولوجياتهم الضيقة الرجعية ... الأحمق وحده هو من يعذب شعب كامل من أجل أيديولوجيا حمقاء... فى نقاشاتى مع المسيسين السوريين، لم يعطونى ردودا منطقية حول فكرة السلام مع إسرائيل، كل كلامهم عبارة عن كلمات عبثية عن أن إسرائيل كيان صهيونى و ليست دولة، وان القضية هي قضية فلسطين و ليست سوريا ... هل انت مسئول فلسطينى أم سورى؟ أنت مسئول سورى وظيفتك تحقيق مصالح الشعب السورى. فبأي ذنب تجبر الشعب السورى على الحياة فى حاله حرب متواصلة (يلتهم فيها الجيش الجزء الأكبر من ميزانية الدولة) لمجرد أن هناك أيديولوجيا تطلب منك أن تظل فى حالة حرب أبدية مع دولة تفوقك عسكريا عشرات المرات؟
ما يقال عن السياسة يقال أيضا عن الثقافة ... إسرائيل بها متطرفون أيضا ، كل دول العالم بها متطرفين ... لكن الدولة الإسرائيلية لا تعرف أى نوع من العبث الخاص بالغزو الثقافى والحفاظ على الهوية القومية والبلا بلا ... الأفلام العربية (والمصرية تحديدا) تذاع باستمرار فى التليفزيون الإسرائيلى، و يشاهدها الإسرائيليين بدون حساسية، بينما نحن تتزلزل الدنيا عندنا إذا ما قام مركز ثقافى بعرض فيلم إسرائيلى يدعو للسلام بين الشعبين ... اللغة العربية لغة رسمية فى إسرائيل، ولديهم فى إسرائيل مجمع للغة العربية مماثل لمجمع اللغة العربية الموجود بالقاهرة ... لا ينظر الإسرائيليين للغة العربية على أنها تهديدا لثقافتهم وهويتهم أو وجودهم، بل يرون أن مصلحتهم فى التعايش مع جيرانهم ... الشعوب العربية تفهم الهوية بمعادلة "أنا موجود، إذن أنت غير موجود"، بينما المصلحة تحتم أن يستمر كلانا فى الوجود، ونتوقف عن محاوله محو الآخر من الوجود.

خاتمة
المقارنات السياسية والإجتماعية والأنثروبولوجية بين المجتمع الإسرائيلى والمجتمعات العربية، موضوع ثرى لا يمكن حصره فى مقال واحد ... أردت هنا فقط أن أوضح النقاط الرئيسية التى تميز المجتمع الإسرائيلى عن باقى المجتمعات التى تحيط به فى الشرق الأوسط .... و هذه الفروق هي التى تفرض علي أن أنحاز لحق دولة إسرائيل الكامل فى الوجود بسلام فى المنطقة، وهي نفسها التى تفرض عليا الوقوف بجانب إسرائيل كدولة ديموقراطية حداثية يعيش شعبها كمواطنين أحرار فى منطقة من العالم يعتبر فيها التفكير فى الحرية جريمة.
بالطبع ، موقفى هذا لا يعنى أنى أتفق مع إسرائيل فى كل صغيرة وكبيرة، ولا يعنى أنى أدعم إسرائيل فى أى موقف خاطئ تتخذة ... فالإسرائيليين أنفسهم لا يتفقون على أى شئ، بما فية حق دولة إسرائيل فى الوجود ... فإذا كان لا يوجد مواطن إسرائيلى يتفق مع سياسة دولتة فى جميع المواقف، فبالتأكيد لا يمكن أن يوجد داعم لإسرائيل يتفق مع السياسات الإسرائيلية جميعها ... أنا فقط أدعم حقوق دولة إسرائيل، و أدعم الكثير من الخطوط العريضة فى السياسة الإسرائيلية، لأنى متفهم لدوافعها و حيثياتها.
و هذا بالتأكيد يعنى أن هناك نقاط اختلاف بينى وبين السياسات الإسرائيلية ... منها على سبيل المثال الموقف الرسمى فى إسرائيل من السلاميين الإسرائيليين ... فأنا لازلت غير قادر على تصديق أن الشعب اليهودى الذى عانى من الأضطهاد ما يقرب من 20 قرن بسبب معتقدة الدينى، حينما يؤسس دولة يبدأ فى اضطهاد بنى شعبة بسبب معتقداته الضميرية !!! ... لا أنكر أنى شعرت بالخجل حينما تم إعفائى من الخدمة العسكرية فى مصر بعد إعلانى أنى لن اخدم بالجيش بسبب معتقداتى السلامية ، بينما زملائى السلاميين فى إسرائيل فى السجون الإسرائيلية ... هذه نقطة تحتاج للمراجعة فى السياسة الإسرائيلية.

Nenhum comentário: