أحمد محمد عرفة (جريدة القاهرة سنة 2002 تقريبا)
قال الله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء 1) و النص يخبر أن الله أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ... فهناك مسجدان إذن الأول هو المسجد الحرام , و الثاني هو المسجد الأقصى , و الأقصى صيغة تفضيل بمعنى الأبعد , فالمكان الذي إنتهى إليه الإسراء برسول الله يجب أن يكون مسجدا , و ليس مكانا يتخذ فيما بعد مسجدا , و لا مكانا كان فيما قبل مسجدا , و أن يكون بعيدا جدا عن المسجد الحرام , و لا يلزم أن يكون مبنيا , فقد كان المسجد الحرام - يومئذ - مجرد فضاء حول الكعبة .
و لكن فلسطين لم يكن بها يومئذ مسجد ليكون بالنسبة للمسجد الحرام مسجدا أقصى , فلم يكن فيها يومئذ مؤمنون بمحمد , يجتمعون للصلاة في موضع معين يتخذونه مسجدا , فقد كان أكثر أهلها مسيحيين و كانت بينهم أقلية يهودية , و مع إحترام القرآن لمعابد اليهود و النصارى فإنه لم يطلق على أي منها إسم مسجد , و إنما سماها بيعا و صلوات (الحج 40) و المسجد الموجود اليوم في مدينة القدس و المعروف بإسم المسجد الأقصى , لم يشرع في بنائه إلا سنة 66 بعد هجرة النبي , أي في عصر الدولة الأموية , و ليس في عصر الرسول و لا أحد من خلفائه الراشدين . هذا عن المسجد .
و أما عن كلمة أسرى : فإذا فتحنا المصحف , و تتبعنا النصوص التي وردت فيه , فسوف نجد النصوص التالية: "قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل و لا يلتفت منكم أحد إلا إمرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" (هود 81) , و معنى أسر بأهلك بقطع من الليل: أمش بهم خفية بعد مضى جزء من الليل , و نحوه في الحجر 65 "فأسر بأهلك بقطع من الليل" , و قوله تعالى: "و لقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى" (طه 77) , و معنى أسر بعبادي : امش بهم خفية من عدوكم , و نحوه في الشعراء 52 , "أن أسر بعبادي إنكم متبعون" و في الدخان 23 : "فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون" .. فالإسراء إذن هو الإنتقال خفية من مكان الخطر , إلى مكان أمن , و معنى أسرى بعبده : أمره أن يسري و رعاه و هو يسري , أي ينتقل خفية من عدوه إلى مكان يأمن فيه على نفسه و على دعوته , أي أن النص يخبر عن هجرة الرسول من مكة إلى المدينة , و لا يتكلم عن زيارة إلى فلسطين . و قد تمت هجرة الرسول خفية عن أعدائه .
و لنعد مرة أخرى إلى أول سورة الإسراء ... إنه يعلل الإسراء بقوله : "لنريه من آياتنا" و قد أعتاد المفسرون و رواة الأخبار على تفسير ذلك بأنه : رؤية الأنبياء , و الصلاة بهم , و قد يزيد بعضهم الصعود إلى السماوات و رؤية الجنة و الجحيم . فبم نفسر نحن آيات الله في هذا الموضع ؟ و أي التفسيرين أولى بالقبول ؟ إننا نفسرها بنجاة الرسول من أعدائه الذين مكروا به ليقتلوه أو يسجنوه , و تأسيسه دولة بالمدينة , و إنتصاره في بدر , و عقده صلح الحديبية , ثم فتح مكة و إنتشار دعوته ... و هذه آيات حسية موضعها دنيا الناس , و كلها مترتبة على الإسراء بالرسول من مكة إلى المدينة , بينما الآيات التي يذكرها المفسرون و رواة الأخبار ليست من عالمنا الدنيوي , فإما أن تعرض على الرسول في صورة مثل , و إما أن يتحول الرسول عن طبيعته الدنيوية كي يراها على حقيقتها , و في الحالتين فإنها لا تكون آية , لانها لا تكون آية إلا حينما ترى على حقيقتها و يكون الرائي على طبيعته البشرية الحقيقية . بل إن تعليل الإسراء بقوله : لنريه من آياتنا يدل على الإسراء شرط لرؤية تلك الآيات , أي أنه لن يرى أيا من تلك الآيات إلا إذا انتقل إلى موضع معين , و نحن نقول : إن انتصار دعوته كان مرهونا بانتقاله إلى المدينة حيث يوجد الأنصار , و لكن رؤية الرسول لبعض أو كل من سبقه من الأنبياء , ليس مرهونا بسفره إلى القدس , لانه الإعجاز ببعثهم أو بدخول الرسول إلى عالمهم الأخروي ليس مرهونا بانتقاله إلى القدس , حتى لو فرضنا جدلا أنهم جميعا دفنوا بالقدس و أنهم جميعا اتخذوها مركزا لعبادة الله . بل إن الأولى أن يأتوا هم إليه في مكة تقديرا له و لمكة التي ستكون المركز الجديد لعبادة الله .
و إذا مضينا خطوة أخرى مع النص الكريم , و جدناه يقول فيما يشبه تعليل تلك الآيات التي رآها الرسول : "أنه هو السميع البصير" الأمر الذي يعني أن الله تعالى أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , لأنه تعالى سمع و أبصر أمورا لها ارتباط بذلك الحدث ,فهل يزعم أحد أن الرسول كان يدعوا الله أن يريه فلسطين أو موضع هيكل داود أو عددا من الأنبياء الذين بعثوا قبله , أو عالم السماء و الجنة و النار ؟ إن زعم ذلك أحد فإنه يفتري الكذب على الرسول ... أما نحن فنقول : أنه تعالى هو السميع لدعاء الرسول أن يحميه من كيد قومه , و أن يوفر لدعوته موطنا آمنا في بيئته العربية , و هو البصير بكيدهم لقتله أو سجنه , و لذلك تم الإسراء (= الهجرة سرا) في نفس اليوم الذي قرروا فيه قتله أو سجنه .
و من أخبار الهجرة النبوية : "ثم واصل سيره إلى المدينة فدخلها لأثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ... فألتف من حوله الأنصار , كل يمسك بزمام راحلته يرجوه النزول عنده فكان يقول : دعوها فإنها مأمورة , فلم تزل راحلته تسير في فجاج المدينة و سككها حتى و صلت إلى مربد (مكان يجفف فيه التمر) لغلامين يتيمين من بني النجار , أمام دار أبي أيوب الأنصاري , فقال النبي :هاهنا المنزل إن شاء الله , و كان أسعد ابن زرارة - قد أتخذه مصلى قبل هجرة النبي , فكان يصلي فيه بأصحابه , فأمر رسول الله أن يبنى ذلك الموضع مسجدا , و أبتاع أرضه بعشرة دنانير" مختصرا من كتاب فقه السيرة للبوطي , و كلمة مصلى الواردة في النص يمكن استبدالها بكلمة مسجد , أي أن هذا الخبر يثبت أن منتهى هجرة الرسول التي تمت سرا كان مسجدا أو مصلى بالمدينة .
و الخلاصة : أن الإسراء لم يكن إلى فلسطين , و إنما كان إلى المدينة المنورة , و أنه بدأ من المسجد الحرام , بعد أن صلى الرسول و صاحبه فيه و ودعاه , و إنتهى عند مسجد أسعد ابن زرارة أمام دار أبي أيوب الأنصاري بالمدينة المنورة , حيث بنى الرسول مسجدا عرف بمسجد النبي , و أن تفاصيل رحلة الهجرة هي نفسها تفاصيل رحلة الإسراء , لأن الإسراء هو الهجرة سرا
و لكن فلسطين لم يكن بها يومئذ مسجد ليكون بالنسبة للمسجد الحرام مسجدا أقصى , فلم يكن فيها يومئذ مؤمنون بمحمد , يجتمعون للصلاة في موضع معين يتخذونه مسجدا , فقد كان أكثر أهلها مسيحيين و كانت بينهم أقلية يهودية , و مع إحترام القرآن لمعابد اليهود و النصارى فإنه لم يطلق على أي منها إسم مسجد , و إنما سماها بيعا و صلوات (الحج 40) و المسجد الموجود اليوم في مدينة القدس و المعروف بإسم المسجد الأقصى , لم يشرع في بنائه إلا سنة 66 بعد هجرة النبي , أي في عصر الدولة الأموية , و ليس في عصر الرسول و لا أحد من خلفائه الراشدين . هذا عن المسجد .
و أما عن كلمة أسرى : فإذا فتحنا المصحف , و تتبعنا النصوص التي وردت فيه , فسوف نجد النصوص التالية: "قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل و لا يلتفت منكم أحد إلا إمرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" (هود 81) , و معنى أسر بأهلك بقطع من الليل: أمش بهم خفية بعد مضى جزء من الليل , و نحوه في الحجر 65 "فأسر بأهلك بقطع من الليل" , و قوله تعالى: "و لقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى" (طه 77) , و معنى أسر بعبادي : امش بهم خفية من عدوكم , و نحوه في الشعراء 52 , "أن أسر بعبادي إنكم متبعون" و في الدخان 23 : "فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون" .. فالإسراء إذن هو الإنتقال خفية من مكان الخطر , إلى مكان أمن , و معنى أسرى بعبده : أمره أن يسري و رعاه و هو يسري , أي ينتقل خفية من عدوه إلى مكان يأمن فيه على نفسه و على دعوته , أي أن النص يخبر عن هجرة الرسول من مكة إلى المدينة , و لا يتكلم عن زيارة إلى فلسطين . و قد تمت هجرة الرسول خفية عن أعدائه .
و لنعد مرة أخرى إلى أول سورة الإسراء ... إنه يعلل الإسراء بقوله : "لنريه من آياتنا" و قد أعتاد المفسرون و رواة الأخبار على تفسير ذلك بأنه : رؤية الأنبياء , و الصلاة بهم , و قد يزيد بعضهم الصعود إلى السماوات و رؤية الجنة و الجحيم . فبم نفسر نحن آيات الله في هذا الموضع ؟ و أي التفسيرين أولى بالقبول ؟ إننا نفسرها بنجاة الرسول من أعدائه الذين مكروا به ليقتلوه أو يسجنوه , و تأسيسه دولة بالمدينة , و إنتصاره في بدر , و عقده صلح الحديبية , ثم فتح مكة و إنتشار دعوته ... و هذه آيات حسية موضعها دنيا الناس , و كلها مترتبة على الإسراء بالرسول من مكة إلى المدينة , بينما الآيات التي يذكرها المفسرون و رواة الأخبار ليست من عالمنا الدنيوي , فإما أن تعرض على الرسول في صورة مثل , و إما أن يتحول الرسول عن طبيعته الدنيوية كي يراها على حقيقتها , و في الحالتين فإنها لا تكون آية , لانها لا تكون آية إلا حينما ترى على حقيقتها و يكون الرائي على طبيعته البشرية الحقيقية . بل إن تعليل الإسراء بقوله : لنريه من آياتنا يدل على الإسراء شرط لرؤية تلك الآيات , أي أنه لن يرى أيا من تلك الآيات إلا إذا انتقل إلى موضع معين , و نحن نقول : إن انتصار دعوته كان مرهونا بانتقاله إلى المدينة حيث يوجد الأنصار , و لكن رؤية الرسول لبعض أو كل من سبقه من الأنبياء , ليس مرهونا بسفره إلى القدس , لانه الإعجاز ببعثهم أو بدخول الرسول إلى عالمهم الأخروي ليس مرهونا بانتقاله إلى القدس , حتى لو فرضنا جدلا أنهم جميعا دفنوا بالقدس و أنهم جميعا اتخذوها مركزا لعبادة الله . بل إن الأولى أن يأتوا هم إليه في مكة تقديرا له و لمكة التي ستكون المركز الجديد لعبادة الله .
و إذا مضينا خطوة أخرى مع النص الكريم , و جدناه يقول فيما يشبه تعليل تلك الآيات التي رآها الرسول : "أنه هو السميع البصير" الأمر الذي يعني أن الله تعالى أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , لأنه تعالى سمع و أبصر أمورا لها ارتباط بذلك الحدث ,فهل يزعم أحد أن الرسول كان يدعوا الله أن يريه فلسطين أو موضع هيكل داود أو عددا من الأنبياء الذين بعثوا قبله , أو عالم السماء و الجنة و النار ؟ إن زعم ذلك أحد فإنه يفتري الكذب على الرسول ... أما نحن فنقول : أنه تعالى هو السميع لدعاء الرسول أن يحميه من كيد قومه , و أن يوفر لدعوته موطنا آمنا في بيئته العربية , و هو البصير بكيدهم لقتله أو سجنه , و لذلك تم الإسراء (= الهجرة سرا) في نفس اليوم الذي قرروا فيه قتله أو سجنه .
و من أخبار الهجرة النبوية : "ثم واصل سيره إلى المدينة فدخلها لأثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ... فألتف من حوله الأنصار , كل يمسك بزمام راحلته يرجوه النزول عنده فكان يقول : دعوها فإنها مأمورة , فلم تزل راحلته تسير في فجاج المدينة و سككها حتى و صلت إلى مربد (مكان يجفف فيه التمر) لغلامين يتيمين من بني النجار , أمام دار أبي أيوب الأنصاري , فقال النبي :هاهنا المنزل إن شاء الله , و كان أسعد ابن زرارة - قد أتخذه مصلى قبل هجرة النبي , فكان يصلي فيه بأصحابه , فأمر رسول الله أن يبنى ذلك الموضع مسجدا , و أبتاع أرضه بعشرة دنانير" مختصرا من كتاب فقه السيرة للبوطي , و كلمة مصلى الواردة في النص يمكن استبدالها بكلمة مسجد , أي أن هذا الخبر يثبت أن منتهى هجرة الرسول التي تمت سرا كان مسجدا أو مصلى بالمدينة .
و الخلاصة : أن الإسراء لم يكن إلى فلسطين , و إنما كان إلى المدينة المنورة , و أنه بدأ من المسجد الحرام , بعد أن صلى الرسول و صاحبه فيه و ودعاه , و إنتهى عند مسجد أسعد ابن زرارة أمام دار أبي أيوب الأنصاري بالمدينة المنورة , حيث بنى الرسول مسجدا عرف بمسجد النبي , و أن تفاصيل رحلة الهجرة هي نفسها تفاصيل رحلة الإسراء , لأن الإسراء هو الهجرة سرا
Nenhum comentário:
Postar um comentário