الحلقة الثالثة: في العودة إلى قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
عارض العرب، كما أسلفنا، القرار وهددوا باعتماد لغة النار، ورغم وحشية المجازر التي ارتكبت سابقا، وجدت قيادة المناطق اليهودية في قرار التقسيم حلا، تبنته الحركة القومية اليهودية، فيما تشبث العرب في رفضهم له، ولم يستكينوا، بل أرادوا السيطرة على كل الأراضي التي كانت خاضعة لسلطة الإنتداب البريطاني، ضاربين عرض الحائط حق اليهود في إقامة دولة خاصة بهم على أرضهم التاريخية.
رد فعلهم عُنون بالدماء، والنار والدخان. وأصبح دم اليهودي هدفا وموته غاية، فكانت سلوكياتهم انعكاسا لذلك، قائمة على القسوة والغباء والغطرسة، فجلبوا الدمار و”النكبة” لأنفسهم.
في تموز من العام 1949، أي بعد 20 شهرا على إعلان الحرب، و14 شهرا على تهديد عبد الرحمن عزام ب”مجزرة ستذكرها الأجيال”، انتهت حرب التحرير بنصر إسرائيل وبهزيمة عربية كاملة .
لم يستطع العرب رمي اليهود في البحر، ولم يسحقوهم عن وجه الأرض، بل بقي “أبناء يعقوب” على أرضهم، واستعادوا حقهم… أما هم فلم يظفروا إلا “بنكبة”.
وهكذا بدل أن تنشا دولة عربية على مساحة 45% من الأراضي غرب نهر الأردن (أي حوالي 12.000 كلم مربع مقابل 14.000 لليهود) بقي عرب ارض إسرائيل بلا شيء، وخرجوا من الحرب_ كما يقال بالعربية_ب “خفي حنين”.
وأحكم اليهود سيادتهم على 78% من أراضيهم التاريخية غرب الأردن، فيما سيطرت مملكة الأردن على يهودا، شومرون وجزء من يروشلايم الشرقية) الضفة الغربية لنهر الأردن)، أما مصر فقد احتلت قطاع غزة.
من نتائج الحرب التي خاض العرب غمارها دون أي مسؤولية أو رؤية مستقبلية؛ تحول مئات الآلاف من عرب ارض إسرائيل ( أو ما يعرف بمنطقة فلسطين) إلى لاجئين في الدول العربية.
بعد أن خسر العرب هدفهم معتمدين لغة الحرب، وانقلب سحرهم عليهم، وعانوا من حال ضمروه لليهود “جيرانهم” ، انتقلوا إلى اعتماد إستراتيجية، تخدم أهدافهم الجديدة المصاغة على قياس واقعهم، قوامها لغة التضخيم، التحريض، الدعاية والادعاءات.
نذكر منها على سبيل المثال، التالي:
يدعي العرب أن عدد اللاجئين نتيجة “حرب الاستقلال” هو 900 ألف، إلا أن الواقع يقول أن عدد هؤلاء تراوح بين 560 إلى 600 ألف لاجئ، (وسنورد لاحقا هذا الموضوع مفصلا بالأرقام، داحضا مزاعم الادعاءات).
يدعي العرب أن كل اللاجئين الفلسطينيين العرب قد طُردوا من بيوتهم. لكن التاريخ يشهد على أن قاداتهم اتخذوا قرار الرحيل دون أن تكون هناك نية لليهود بإبعادهم. (سنتطرق لهذه المسألة في سياق الكتيب، بشهادات تنكر مزاعمهم).
لقد صاغ العرب أسطورة “النكبة”، بقصة محبوكة دارت حول محور أساسي هو التالي:
جاء اليهود الاستعماريين واحتلوا فلسطين ابتداء من القرن التاسع عشر، معتمدين حرب التطهير العرقي بحق الفلاحين الفلسطينيين الذين سكنوا أرضهم منذ ألاف السنين.
الهدف من التطهير العرقي هذا، إفراغ الدولة اليهودية من السكان العرب، وجاءت الحرب فنفذ اليهود مخططهم بطرد ألاف الفلسطينيين.
ما جاء أعلاه، لا يمت للحقيقة بصلة وهو محض افتراء. للأسف، كمية الأكاذيب التي يحتويها هذا الادعاء، باتت حقيقة مؤكدة في العالم العربي.
التاريخ، وهو خير شاهد على الحقائق، يدحض مزاعمهم، ويبيد المحاولات الآيلة إلى اللعب على الوقائع والحقائق لإظهار اليهود بمظهر “الظالم” فيما هم “المظلومين”، وليثبت أن العكس هو الصحيح.
الأمر الذي يضعنا أمام تساؤل يدغدغ فكر كل متعطش للحقيقة، ألا وهو: من يتحمل مسؤولية نتائج الحرب؟ من ناحية أخلاقية ومن ناحية القانون الدولي أيضا.
يوجد نهجان معتمدان في تحديد من يقع عليه وزر نتائج الحرب:
الأول هو المنهج الانسترومنتالي أي المنهج الاداتي ؛ الذي يحمل مسؤولية نتائج الحرب على الخاسر فيها. هذا ما اعتمد على مدى التاريخ.
اما الثاني فهو المنهج الأخلاقي، والمعتمد في القانون الدولي ؛ الذي يشير إلا أن مسؤولية نتائج الحرب، وهدر الدماء، والخسائر في الأرواح، إضافة إلى الدمار والخراب، تقع على عاتق المهاجم. أي القطب الذي سبب الحرب والذي ابتعد عن الجهود الدبلوماسية والتسويات واختار لغة القتل، والاغتيالات والعنف بديلا.
أي القطب الذي طالب بكل شيء لنفسه، وبأنانيته عمد إلى تجاوز ودوس حقوق الآخرين .
أي القطب الذي طالب بكل شيء لنفسه، وبأنانيته عمد إلى تجاوز ودوس حقوق الآخرين .
استطرادا، لا بد من ذكر المنهج الإضافي؛ العربي الاعتماد ولا بديل له عند معظم الناطقين بلغة الضاد، ألا وهو” الحق على اليهود”.
نرد أدناه، سلسلة من الأحداث التي حمّل العرب فيها اليهود مسؤولية العنف، والتي صنفت ضمن إطار “نكبتهم” وفق منهجهم المحبذ.
على سبيل المثال:
• مجزرة عام 1929 (مجزرة حبرون) بحق المواطنين اليهود؟ سببها : رفع عناصر منظمة عناصر بيتار اليهودية، علم إسرائيل في مظاهرة قرب الحائط الغربي لبيت المقدس القديم.
• الثورة العربية الكبرى 1936 – 1939؟ سببها : تزايد الهجرة اليهودية من أوروبا إلى الأرض الام.
• الانتفاضة الأولى؟ سببها قصة إسرائيلي دهس فلسطينيا.
• الانتفاضة الثانية ؟ سببها: زيارة شارون لموقع بيت المقدس.
• أحداث عام 1996؟ سببها: افتتاح بنيامين نتانياهو لنفق الحائط الغربي لبيت المقدس القديم.
• مئات العمليات الانتحارية؟ سببها إقامة حواجز أمنية إسرائيلية لحماية المواطنين الإسرائيليين.
• النكبة ؟ سببها الصهاينة المستعمرين؟
هؤلاء ” الصهاينة” الذين قدموا من بولونيا، لغزو ارض منطقة ” فلسطين”، فاستغلوا الفلاحين العرب، وطردوا 900 ألف فلسطيني”، هذا ما تم تسويقه عربيا وعالميا، وهذا ما تم نقله إلى الأجيال.
ادعاءات شوهت الحقيقة، ومزاعم أشعلت نيران الحرب والعنف والقتل لأسباب لا تستحق الدماء البتة، إلا في حال وجود نوايا مخبأة لمبادري العنف، فالأمثلة البسيطة أعلاه والقريبة لذاكرة القارئ المعاصر، تؤكد أن العرب الفلسطينيين كانوا دائما السباقين في إعلان العنف، وردهم مفتعل وحاضر دائما، بانتظار الفرصة السانحة .
ولعل من الأهمية بمكان أن نسأل: ماذا لو ارتكب اليهود المجازر بحق العرب الفلسطينيين، فقط لأنهم رفعوا علما أو افتتحوا نفقا؟
لقد صاغت “النكبة” روايتها بسطور ادعاءات معتمدة على نوع من الحرب النفسية، كمحاولة للرد على المحرقة النازية، باختلاق” محرقة فلسطينية” تجعل الجاني ضحية.
لقد نجح العرب في تصدير رواياتهم، وجعلوها أساسا في تربية أجيالهم، الذين نموا على حليب الكراهية ضد اليهود بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص، واخفوا كل معالم الحقيقة عنهم لأنها ستكشف واقع الحال وتظهرهم سببا في نكبة العرب الفلسطينيين وتشردهم.
اعتمدوا صناعة الروايات المدججة بالخداع والهادفة إلى إسقاط الشرعية عن دولة إسرائيل، لتدخل منطقة بأسرها وشعوب برمتها في دوامة الحروب والصراعات.
ومن هنا وجب علينا مواجهة هذه الروايات والادعاءات، التي تشوه الحقائق معتمدة على “بروباغندات”، ليس بهدف تأجيج نار الصراعات وإنما نصرة للحق وللتاريخ الذي مهما سُترت أحداثه بغبار النسيان، سيبقى حقيقة تروي ما حصل، للأجيال.
Nenhum comentário:
Postar um comentário