في الواقع، أدت الدعاية، التي رُوّجت آنذاك، إلى عواقب لم تخدم هدف أصحابها، لا بل دفعت السكان العرب إلى ترك القرى والهروب خوفا ورعبا مما سمعوه، فبعد دخول القوات اليهودية قرية دير ياسين تمكنوا من ولوج القرى الأخرى دون أي مقاومة تذكر. أما موضوع ما أسموه المجازر والمذابح فلم يُثر إلا بعد الحرب حيث تطور الجدل حياله.
إن الأكاذيب التي حيكت حول هذا الموضوع دفعت بعض الأكاديميين إلى البحث والتحقيق من اجل توضيح صورة التاريخ الحقيقية، واهم هؤلاء كان البروفسور افرايم كارش، (وهو أستاذ أكاديمي ورئيس قسم الشرق الأوسط في جامعة King’s College في لندن)، الذي صب جل اهتمامه على مسألة ترحيل العرب الفلسطينيين.
اعتمد كارش على ألاف المستندات من أرشيف إسرائيلي بريطاني وأميركي تمت قراءتهم في العقد التسعيني من القرن العشرين، إضافة إلى وثائق من الأرشيف العربي.
سعى كارش لدراسة ما إذا كان الأرشيف الجديد سيوفر معطيات تؤكد مخطط ترحيل العرب، أو ستدحض المزاعم التي تتحدث عن طرد سكان "لغة الضاد" من ارض إسرائيل.
كان لهذه الوثائق، وما قادت إليه من نتائج، أهمية إستراتيجية لكشف الحقيقة وآلية بارزة لمواجهة كذب ما يسمى النكبة.
بروفسور افرايم كارش
ولعل مدينة حيفا وما شهدته من وقائع واحداث، خير مثال نورده ليختصر حقيقة ما آلت إليه الأمور آنذاك مجسدة الحقائق التاريخية التي تدحض روايات النكبة.
حتى عام 1948 كانت حيفا تضم العدد الأكبر من السكان العرب في ارض إسرائيل بعد مدينة يافو، بحيث بلغ عددهم قبل اندلاع الحرب 62,500 نسمة، بينهم طبقة الوجهاء والقيادة العربية في شمال البلاد.
وعند انتهاء المعارك، أصبحوا قلة قليلة لا تتعدى بضعة ألاف. حوالى عشرين بالمائة من اللاجئين العرب في سنوات 1947 – 1949 خرجوا من حيفا.
من الأمور المهمة التي أبرزها كارش، أن المعارك في حيفا، التي بلغت ذروتها وحدتها في 21 و 22 نيسان/ ابريل من العام 1948، لم تكن سببا في ترحيل العرب من المدينة لا بل أن الهجرة الجماعية لهم بدأت في تشرين الأول/اكتوبر عام 1947، أي قبل شهر من صدور قرار التقسيم في تشرين الثاني/ نوفمبر واندلاع الحرب .
Nenhum comentário:
Postar um comentário